فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَبِئْسَ مثوى الظالمين}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اختلفوا في أن هذا الوعد هل هو مختص بيوم أحد، أو هو عام في جميع الأوقات؟
قال كثير من المفسرين: أنه مختص بهذا اليوم، وذلك لأن جميع الآيات المتقدمة إنما وردت في هذه الواقعة، ثم القائلون بهذا القول ذكروا في كيفية إلقاء الرعب في قلوب المشركين في هذا اليوم وجهين:
الأول: أن الكفار لما استولوا على المسلمين وهزموهم أوقع الله الرعب في قلوبهم، فتركوهم وفروا منهم من غير سبب، حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل، وقال: أين ابن أبي كبشة، وأين ابن أبي قحافة، وأين ابن الخطاب، فأجابه عمر، ودارت بينهما كلمات، وما تجاسر أبو سفيان على النزول من الجبل والذهاب إليهم، والثاني: أن الكفار لما ذهبوا إلى مكة، فلما كانوا في بعض الطريق قالوا: ما صنعنا شيئًا، قتلنا الأكثرين منهم، ثم تركناهم ونحن قاهرون، ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم.
والقول الثاني: أن هذا الوعد غير مختص بيوم أحد، بل هو عام.
قال القفال رحمه الله: كأنه قيل أنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد إلا أن الله تعالى سيلقي الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين حتى يقهر الكفار، ويظهر دينكم على سائر الأديان.
وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام قاهرًا لجميع الأديان والملل، ونظير هذه الآية قوله عليه السلام: «نصرت بالرعب مسيرة شهر». اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {بِمَا أَشْرَكُواْ بالله}:

قال الفخر:
اعلم أن ما مصدرية، والمعنى: بسبب إشراكهم بالله.
واعلم أن تقدير هذا بالوجه المعقول هو أن الدعاء إنما يصير في محل الاجابة عند الاضطرار كما قال: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} [النحل: 62] ومن اعتقد أن لله شريكا لم يحصل له الاضطرار، لأنه يقول: إن كان هذا المعبود لا ينصرني، فذاك الآخر ينصرني، وإن لم يحصل في قلبه الاضطرار لم تحصل الاجابة ولا النصرة، وإذا لم يحصل ذلك وجب أن يحصل الرعب والخوف في قلبه، فثبت أن الإشراك بالله يوجب الرعب. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا}:

.قال الفخر:

السلطان هاهنا هو الحجة والبرهان، وفي اشتقاقه وجوه: الأول: قال الزجاج: أنه من السليط وهو الذي يضاء به السراج، وقيل للأمراء سلاطين لأنهم الذين بهم يتوصل الناس إلى تحصيل الحقوق.
الثاني: أن السلطان في اللغة هو الحجة، وإنما قيل للأمير سلطان، لأن معناه أنه ذو الحجة.
الثالث: قال الليث: السلطان القدرة، لأن أصل بنائه من التسليط وعلى هذا سلطان الملك: قوته وقدرته، ويسمى البرهان سلطانًا لقوته على دفع الباطل.
الرابع: قال ابن دريد: سلطان كل شيء حدته، وهو مأخوذ من اللسان السليط، والسلاطة بمعنى الحدة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} حجّةً وبيانًا، وعُذْرًا وبرهانًا؛ ومن هذا قيل للوالي سلطان؛ لأنه حجة الله عزّ وجلّ في الأرض.
ويُقال: أنه مأخوذ من السَّلِيط وهو ما يُضاء به السِّراج، وهو دُهْنُ السّمْسِم؛ قال امرؤ القيس:
أَمَالَ السَّلِيطَ بالذُّبَالِ المُفَتَّلِ

فالسلطان يُستضاء به في إظهار الحق وقمع الباطل.
وقيل السَّلِيط الحديد.
والسَّلاطَة الحدّة.
والسلاطة من التسليط وهو القهر؛ والسلطان من ذلك، فالنون زائدة.
فأصل السلطان القوّة، فإنّه يُقهر بها كما يُقهر بالسلطان.
والسَّلِيطَة المرأة الصَّخَّابَةِ.
والسَّلِيط الرجل الفصيح اللسان.
ومعنى هذا أنه لم تثبت عبادة الأوثان في شيء من المِلَل، ولم يَدلّ عقلٌ على جواز ذلك. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} يوهم أن فيه سلطانا إلا أن الله تعالى ما أنزله وما أظهره، إلا أن الجواب عنه أنه لو كأن لانزل الله به سلطانا، فلما لم ينزل به سلطانًا وجب عدمه، وحاصل الكلام فيه ما يقوله المتكلمون: أن هذا مما لا دليل عليه فلم يجز إثباته، ومنهم من يبالغ فيقول: لا دليل عليه فيجب نفيه، ومنهم من احتج بهذا الحرف على وحدانية الصانع، فقال: لا سبيل إلى إثبات الصانع إلا باحتياج المحدثات اليه، ويكفي في دفع هذه الحاجة إثبات الصانع الواحد، فما زاد عليه لا سبيل إلى إثباته فلم يجز إثباته. اهـ.

.قال الألوسي:

{بِمَا أَشْرَكُواْ بالله} أي بسبب إشراكهم بالذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال ولإشعار هذا الاسم بالعظمة المنافية للشركة أتى به، والجار الأول متعلق، بـ {سنلقي} دون الرعب ولا يمنع من ذلك تعلق في به لاختلاف المعنى والثاني متعلق بما عنده وكان الاشراك سببًا لالقاء الرعب لأنه من موجبات خذلانهم ونصر المؤمنين عليهم وكلاهما من دواعي الرعب {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ} أي بإشراكه، وقيل: بعبادته، وما نكرة موصوفة أو موصولة اسمية وليست مصدرية {سلطانا} أي حجة، والإتيان بها للإشارة بأن المتبع في باب التوحيد هو البرهان السماوي دون الآراء والأهواء الباطلة، وسميت بذلك لأنه بها يتقوى على الخصم ويتسلط عليه، والنون زائدة، وقيل: أصلية، وذكر عدم إنزال الحجة مع استحالة تحققها من باب انتفاء المقيد لانتفاء قيده اللازم أي لا حجة حتى ينزلها، فهو على حد قوله في وصف مفازة:
لا يفزع الأرنب أهوالها ** ولا ترى الضب بها ينجحر

إذ المراد لا ضب بها حتى ينجحر فالمراد نفيهما جميعًا وهذا كقولهم: السالبة لا تقتضي وجود الموضوع، وما ذكرنا من استحالة تحقق الحجة على الإشراك يكاد يكون معلومًا من الدين بالضرورة.
أما في الإشراك بالربوبية فظاهر إذ كيف يأمر الله سبحانه باعتقاد أن خالق العالم اثنان مشتركان في وجوب الوجود والاتصاف بكل كمال، وأما الإشراك في الألوهية الذي عليه أكثر المشركين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأنه يفضي إلى الأمر باعتقاد أشياء خلاف الواقع مما كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وقد ردّه عليهم، فقول عصام الملة: ونحن نقول الحجة على الإشراك تحت قدرته تعالى لو شاء أنزلها إذ لو أمر بإشراك الأصنام به في العبادة لوجبت العبادة لا أراه إلا حلا لعصام الدين لأن لا إله إلا الله المخاطب بها الثنوية والوثنية تأبى إمكان ذلك كما لا يخفى على من اطلع على معنى هذه الكلمة الطيبة رزقنا الله تعالى الموت عليها ولا جعلنا ممن أشركوا بالله تعالى ما لم ينزل به سلطانًا. اهـ.

.قال الفخر:

هذه الآية دالة على فساد التقليد، وذلك لأن الآية دالة على أن الشرك لا دليل عليه، فوجب أن يكون القول به باطلا، وهذا إنما يصح إذا كان القول باثبات ما لا دليل على ثبوته يكون باطلا، فيلزم فساد القول بالتقليد. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَأْوَاهُمُ النار}:

قال الفخر:
واعلم أنه تعالى بين أن أحوال هؤلاء المشركين في الدنيا هو وقوع الخوف في قلوبهم، وبين أحوالهم في الآخرة، وهي أن مأواهم ومسكنهم النار. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَبِئْسَ مثوى الظالمين}:

.قال الفخر:

المثوى: المكان الذي يكون مقر الأنسان ومأواه، من قولهم: ثوى يثوي ثويا، وجمع المثوى مثاوي. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَبِئْسَ مثوى الظالمين} أي مثواهم وإنما وضع الظاهر موضع الضمير للتغليظ والتعليل والإشعار بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعه. اهـ.

.قال أبو حيان:

ونبه على الوصف الذي استحقوا به النار وهو الظلم، ومجاوزة الحد إذ أشركوا بالله غيره.
كما قال: {إن الشرك لظلم عظيم}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد الفخر:

الرعب: الخوف الذي يحصل في القلب، وأصل الرعب الملء، يقال سيل راعب إذا ملأ الأودية والأنهار، وإنما سمي الفزع رعبا لأنه يملأ القلب خوفا. اهـ

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}.
وألقى الحق في قلوبهم الرعب بالفعل. فساعة قالوا لأبي سفيان: إن محمدًا قادم إليك بجيش كثيف من المدينة، وانضم له مقاتلون لم يحاربوا من قبل، وقادم إليكم في حمراء الأسد. ماذا صنع أبو سفيان وقومه؟ ألقى الله الرعب في قلوبهم وفروا.
وكلمة {سَنُلْقِي} مأخوذة من الإلقاء وهو لا يكون إلا لمادة وعين. ويبين لنا القرآن هذا الأمر حين يقول: {فألقى الألواح}، هذه حاجة مادية. قال تعالى: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف: 150].
إنه أمر مادي.. ونحن نقول: ألقى الحجر. والحق سبحانه يقول: {فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء: 44].
إنها حبال، أي أمر مادي. وسبحانه وتعالى يقول عن الوحي لأم موسى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].
فالإلقاء أمر مادي، كأن الله يريد أن يجعل المعنى وهو الرعب شائعا، فقال: أنا سأجمع الرعب وأضعه في القلب، ويكون عمله ماديًّا. فإذا ما استقر الرعب في القلب جاء الخَور، وإذا سكن الخور القلب نضح على جميع الجوارح تخاذلا، فيقول: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} فكأنه مثل لنا الرعب، والرعب أمر معنوي وهو التخوف من كل شيء، فأوضح: بأنه سيأتيهم بالرعب ويلقيه في القلب، فيبقى به ليصنع الخور والخذلان.
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} انظروا إلى التعابير الصادرة عن الله أنه هنا يأتي بنون العظمة، {سَنُلْقِي} ونلحظ أن الحق سبحانه وتعالى ساعة يتكلم عن أمر يحتاج إلى فعل فهو سبحانه يأتي بنون العظمة كقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ولأن إنزال الذكر عملية عظيمة، فنأتي بنون العظمة. لأننا سننزله بقدرة وسننزله بحكمة، وننزله بعلم وننزله ببصر، وننزله بقيومية، وننزله بقبض، وننزله ببسط، فقوله: {إِنَّا نَحْنُ} فكأن نون العظمة تأتي هنا، لكن ساعة يتكلم سبحانه عن الذات العلية فهو يقول: إنني أنا الله. لم يقل إننا، ولكن في الإنزال يقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1].
لأن هذه عملية عظيمة جليلة؛ فنون العظمة تأتي فيما يكون من شأنه حدث يفعل؛ وهذا الحدث الذي يفعل يحتاج لصفات كثيرة، ولذلك قلنا ساعة تبتدئ أيُّ عمل تقول: بسم الله الرحمن الرحيم لماذا؟ لأن العمل الذي ستعمله يحتاج إلى قدرة عليه، ويحتاج إلى علم قبل أن تعمله، ويحتاج إلى حكمة، أي أنه يحتاج إلى صفات كثيرة، فأنت تدخل على العمل باسم القادر الذي يُقْدِرُك؛ وباسم العليم الذي يعلمك، وباسم الحكيم الذي يحكمك.
وكل هذه الصفات ستتكاتف في إيراز العمل كي يرحمك حتى في الاستعانة، فلا يقول لك: هات الصفات كلها التي يحتاج إليها فعلك؛ لأن هناك صفات أنت لا تعرفها، فيقول لك: هات الاسم الجامع لكل صفات الكمال. قال: باسم الله، وهي تضم كل صفات الكمال.
إذن فأنت تلاحظ أنك إذا رأيت نون العظمة التي نسميها نون الجمع نجد أننا نقول: نحن للجماعة. أو للمتكلم الواحد حين يعظم نفسه، ولذلك نلاحظها حتى في قانون البشر، ألم يقولوا في الملكية: نحن الملك، وهذه النون بالنسبة لله ليست نون الجماعة. إنما هو نون العظمة، العظمة الجامعة لكل صفات الكمال التي يتطلبها أي فعل من الأفعال، لذلك قال سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ} فكل قلب به كفر يحتاج إلى إلقاء الرعب فيه. إذن فتأتي نون العظمة لتستوعب كل هذه القلوب الكافرة؟.
وهو سبحانه لا يتجنى عليهم بالقاء الرعب، ولكن هم الذين استحقوا أن يلقى في قلوبهم الرعب، لماذا؟ بما أشركوا. إن الإشراك بالله هو الذي جاء لهم بالرعب؛ لأن الله يفعل، والشركاء لا يفعلون. ولو أن شركاءهم حق لما تخلوا عنهم. فلماذا لم يأتوا بشركائهم لينصروهم؟ لقد جاءهم الرعب لأنهم ليس لهم مولى، ولو كان لهم آلهة قادرة- كما يدعون- لقالوا لتلك الآلهة: رب محمد يعمل معنا هكذا فلماذا لا تقفون له يا أربابنا؟ لكنهم أشركوا بالله ما لا يضر ولا ينفع، بل ضره أقرب من نفعه.
{بِمَا أَشْرَكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} والسلطان هو القوة والحجة والبرهان مأخوذة من مادة السين واللام والطاء ونقول: فلان تسلط على فلان، أي أرغمه بقدرته عليه. ويقولون: فلان سليط اللسان، أي قادر أن يسب، إذن فالسلطة هي: القهر، والقوة التي ترغم على الفعل، وفي المعنويات هي الحجة والبرهان، والمؤمنون دائما ذوو سلطان من الله؛ لأنهم إن انتصروا ماديا فذلك سلطان القهر، وإن انهزموا ماديا فعندهم سلطان الحق والدليل؛ ولذلك قلنا سابقا: إن إبليس يأتي يوم القيامة ويقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22].
وقلنا إن السلطان نوعان: إما قوة تقهرنا على أن نفعل المعصية، وإما برهان ودليل يجعلنا نفعل المعصية.
والفرق بين القوة القاهرة وبين سلطان الدليل هو أن القوة القاهرة تجعلك تفعل وأنت مرغم غير راض عن الفعل. أما سلطان الدليل فيقنعك بأن تفعل؛ فتكون قد فعلت برضاك، فمرة يأتي السلطان بمعنى: قوة تقهرك على أن تفعل الفعل وأنت مرغم.
إنما قوة الدليل تقنعك أن تفعل، فيأتي الشيطان ليقر على نفسه في الآخرة ويقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} أي ليس معي قوة تقهركم على المعصية وليس معي دليل يقنعكم حتى تفعلوا المعصية، لا هذا ولا ذاك، فما الحكاية إذن؟ قال: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}. أي إنكم أطعتموني واستجبتم لدعوتي بلا سلطان قوة أقهركم به على شيء، ولا سلطان دليل أقنعكم به.
ويذيل الحق الآية بقوله: {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} أي أن المرجع الذي يأوون إليه هو النار، والمأوى؛ هو الموضع الذي ترجع أنت إليه. وكأن في هذا المرجع ذاتية من الكافر تلقيه على النار فهو- أي الكافر- مأواه ومثواه الذي يرجع إليه. ولذلك يجب أن نفطن إلى قوله الحق في بعض الأساليب: {وإليه تَرجَعون} وقوله: {وإليه تُرجعون}.
{وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}.. أي مثوى لا مفر بعده أبدا، فكل مثوى من الجائز أننا نرحل عنه، لكن المثوى الذي سيبقى خلودا للظالمين هو النار وهو بئس المثوى. اهـ.